اقرأ المزيد

يعد الشيك على بياض من أخطر انواع الشيكات التي قد توقع عليها الغارمات دون إدراك تام لعواقبها. وتتمثل خطورته في أن مستخدمي هذا الشيك، يقومون بالتوقيع على الشيك فقط دون كتابة المبالغ المستحق او ملء أي بيانات أخرى، وبالتالي يمنح المستفيد من الشيك الحرية في كتابة البيانات التي يشاء، مثل التاريخ، وقيمة المبلغ، ونوع العملة سواء كانت مصرية أو أجنبية، وهو ما قد يستغل بشكل يضر بمحرر الشيك ويلزمه بدفع مبلغ لم يتم الاتفاق عليه. ويعد السبب الرئيسي للوقوع في فخ الشيك على بياض هو حسن النية، حيث يقوم الشخص الموقع على الشيك بالاعتقاد بأن الطرف الاخر سيلتزم بكتابة البيانات المتفق عليها فقط، دون أي خداع أو استغلال

ووفقا لكلام المستشار القانوني أحمد فوزي حجازي، المحامي بالنقض والإدارية العليا، فإن محكمة النقض استقرت في أحكامها على اعتبار التوقيع على الشيك على بياض بمثابة تفويض ضمني يمنحه محرر الشيك للمستفيد، يتيح له ملء البيانات الخاصة بالشيك، كالمبلغ والتاريخ، دون الحاجة إلى الرجوع لصاحب التوقيع، مما يمنح الطرف الاخر سلطة كاملة في تحديد ما يحتوي عليه الشيك. وأضاف، أنه في حالة إن قام المستفيد من الشيك بتعبئة أي بيانات متعلقة بالمبلغ أو بتاريخ السداد بعد توقيع الشيك على بياض، فإن تلك البيانات تعتبر صحيحة ومعترفا بها أمام المحكمة، حتى وإن كتبت بخط مختلف عن خط التوقيع، أو تمت كتابتها في موعد اخر بعد ما قد تم التوقيع.

معاناة مستمرة

أحد أبرز الأمثلة الواقعية على مأساة الغارمات في مصر هي قصة سيدة لجأت إلى توقيع شيك على بياض بعدما لم تجد وسيلة لتجهيز ابنتها، التي طال انتظار زواجها، وسط ضيق الحال وتعثرها المالي. ولم يكن أمامها سوى الشراء بالتقسيط من أحد التجار المستغلين، والذي لم يكتفي بأن توقع على شيكات بقيمة البضاعة، بل أصر على توقيعها على شيك على بياض يضمن له حقه في حالة تأخرت عن السداد، مع فرض نسبة أرباح مرتفعة مقابل التقسيط. وما حدث بعد ذلك، هو انا الأم دفعت شهرا أو اثنين من "النقطة" التي جمعتها في فرح ابنتها، لكن عجزت عن الاستمرار بعدما عاد الحال كما كان، ليقوم التاجر بتقديم الشيكات إلى المحكمة، ويصدر حكم بحبسها. وهذه القصة، تمثل واقعاً تعيشه الكثير من السيدات المصريات. فالشيك على بياض، الذي يفترض أن يكون وسيلة ضمان، يتحول في مثل هذه الحالات إلى أداة استغلال تؤدي بالسيدات إلى السجن.

الشيك بدون رصيد: أزمة حقيقية للغارمات

النوع الثاني من الشيكات التي تدان بهي الغارمات هو الشيك بدون رصيد، وهو يعد شيك بنكي يصدر من حساب لا يحتوي على رصيد كافي لتغطية المبلغ المكتوب فيه. وفي هذه الحالة، يحق للمستفيد من الشيك إتخاذ الإجراءات القانونية ضد محرره، نظرا لاعتباره مخالفاً للقانون. ووفقا للمادة (534) من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 وتعديلاته، يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يتعمد ارتكاب أحد الأفعال التالية: إصدار شيك بدون رصيد كافٍ وقابل للصرف، أو سحب الرصيد كلياً أو جزئيًا بعد إصدار الشيك مما يؤدي إلى عدم توفر مبلغ يغطي قيمته، أو إصدار تعليمات للبنك بعدم صرف الشيك دون سبب قانوني، أو كتابة الشيك أو التوقيع عليه بسوء نية بطريقة تمنع صرفه. وبالنسبة للغارمات، فكثيراً منهن يسجن بسبب الشيك بدون رصيد. مثلًا، عندما تشتري سيدة مستلزمات لزواج ابنتها، يطلب منها التاجر شيك كضمان. وحين ذلك تكتب الشيك وهي تعرف أن رصيدها في البنك لا يكفي، لكنها تضطر لذلك لأنها لا تملك طريقة أخرى. وعندما يكتشف التاجر الامر من خلال البنك ويرفض الشيك، يقوم التاجر برفع قضية عليها وينتهي بها المطاف في السجن حتى وإن كانت نيتها فقط تأمين احتياجات ابنتها وليس الغش أو الخداع.

هكذا، تظهر قضية الغارمات كأحد التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تتطلب تدخلاً سريعاً، ليس فقط من خلال المبادرات والقوانين، بل أيضًا عبر نشر الوعي القانوني بين السيدات الأقل معرفه بالشؤون القانونية، لحمايتهن من خطر تلك الشيكات التي قد تضعهم في مازق أكبر بكثير وتسلب منهن حريتهن.